إيمان عبدالعزيز


لأننا أمة مسلمة ولدنا على فطرة الإسلام التي تسير على نهج الدين القيم الذي يغرس في نفوس المسلمين حب التقرب إلى الله والسعي لمرضاته، وتوخي الحذر من الوقوع في فخاخ المعاصي لتجنّب غضب الله، ذلك لمن يسلك سبيل الحق ويستمر في مسلكه القويم طيلة حياته.

إلا أن الثبات على مبادئ الشريعة الإسلامية بأخلاقياتها الفاضلة يرجع أيضاً إلى دور البيئة الأسرية التي ينشأ فيها كل شخص منا، وما يقره أربابها من الأنظمة والأسس التربوية السليمة التي تعزّز من الوعي الأخلاقي الذي يشمل سائر العبادات تجاه الخالق وسائر الخلق، أي القيام بحقوق الله عز وجل من أداء العبادات والفرائض، ومن سمو الأخلاق المتمثلة في تزكية النفس وصحوة الضمير العادل في التعامل مع الآخرين وإنصاف حقوقهم.

من المؤسف حقاً أننا نعيش زمننا الحالي الذي يكثر فيه العديد من الفساد الأخلاقي تجاه الناس ينبعث من خيرة العباد وأكثرهم طاعة لله، ومن واقع حياتنا المعيشية مواقف تحكى، عندما كنت في أحد مصليات المؤسسات العامة، إذا بممر الدخول للمصلى يعج بقهقهات إحدى الموظفات المتوجهة لأداء الصلاة متنمرة على أحذية ونعال المصليات، فأين الاحترام لقداسة المكان وما يؤدى فيه من فرائض ربانية؟وما تشكو منه العديد من جهات العمل في كل مكان من بعض الرؤساء والمدراء ممن يتحيزون لمن تمد لهم صلة قرابة أو معرفة شخصية أو مصلحة مشتركة من بعض الموظفين على حساب البعض الآخر، ما ينتج عن ذلك هضم حقوق الآخرين وتفشي الظلم بين بيئة العمل.

ومن المؤسف أيضاً، أن العديد من ضحايا الفتن الاجتماعية تقع فريسة لأصحاب النفوس المريضة التي تشيع النميمة والغيبة ونقل الكلام من شخص لآخر، ومن الصادم أن يكون ذلك النمام من حفظة كتاب الله، ويظن بأن ذلك وحده شفيع كافٍ له ليضمن الفوز بالجنة، حتى يستمر في نشر الفتن بين من حوله، أليس من العجب أنه لا يفقه الآية الكريمة «الفتنة أشد من القتل»؟وقد يتظاهر ربّ أحد الأُسر باللين وطيب التعامل مع الناس، وإذا برعيته في المنزل تتلقى منه صنوف الأسى والظلم إلى أن تصل إلى حد التشبع.

وما أقرب من واقعنا اليومي الذي نرى فيه قمة التناقض من متابعي «السوشيال ميديا»، وما يُدوّن في قائمة التعليقات من القذف والشتم وبذاءة الكلام بقصد تجريح الآخرين على عكس ما هو موثق في «البايو» أو صورة «البروفايل» من أدعية وأذكار مثل «اللهم نسألك عفوك ورضاك والجنة» و«اللهم نسألك حسن الخاتمة» وغيرها من العبارات والشعارات التي لا تنطبق مع مبادئ صاحب الحساب.

وإلى غيرها من الأمثلة الواقعية التي لا تنتهي ولا عَدّ لها، فالكثير يجهل أهمية الأخلاق مع الآخرين والمنضوية تحت العبادات التي فرضها الله تعالى وأرسل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ليدلنا على طريق الحق ويصدّنا عن درب الباطل والظلم، وسيحاسب العباد على تلك التعاملات والأخلاقيات وسيعاقب بئس العقاب لمن يستهين بهضم حقوق الآخرين.

وما ينص الشرع على ترابط العلاقة بين العبادات والأخلاقيات ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: «يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: هي في النار».

قالوا يا رسول الله: إن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها، وإنها تتصدّق بالأثوار من الأقِط ولا تؤذي جيرانها، قال: هي في الجنة».احذر يا أيها العابد هضم حقوق الناس، فلا تدري أي دعوة من مظلوم ستخلّدك في النار، وتحرمك من نسائم الجنة.