د. سامح بدوي


يُعدّ التقييم واحداً من أهم الممارسات والأطر الرئيسة في عمليتي التعليم والتعلّم، وهو لا يعني فقط قُدرة المتعلّم على سرد المعلومات والمعارف بقدر ما هو انعكاس لنواتج التعلّم، ووسيلة لقياس مدى تمكّن الطلبة من الكفايات المستهدفة وقدرتهم على توظيفها في بنائهم المعرفي واستدعائها بانسيابية متى اقتضت الضرورة ذلك سواء في المواقف التعليمية أو الحياتية والوظيفية لاحقاً، وهو يعتمد على نظريات عدّة، تناولت واستعرضت خصائصه واتجاهاته، باعتباره أحد أهم مكونات النُظّم التعليمية وثقافة لها مكوناتها، واستراتيجياتها، التي تهدف إلى رصد تقدّم الطلبة الأكاديمي بصورة متكاملة حال ما يكون تقييماً حقيقياً قائماً على جودة التعليم.

وهنا ينبغي على المؤسسات التربوية داخل المجتمعات الواعية إدراك الأغراض الرئيسة من التقييم وأنماطه المستخدمة، والتي تختلف باختلاف طرائق التطبيق وخططه، وفيما يلي استعراض لأهم تلك الأنماط وهي:

1- تقييم التعلم Assessment of Learning: ويستهدف هذا التقييم قياس التعلم بعد حدوثه في صورته البعدية للوقوف على مدى تذكّر الطلبة للمعارف، وهو نمط يعزّز حفظ وشحن العقول بكمّ هائل من المعارف، دون توظيفها توظيفاً حقيقياً، ويُطلق عليه البعض -التقييم للاختبار- وهذا النمط من التقييمات لا ينبغي أن يظهر في مدارسنا، بل ينبغي البحث عن أنماط أخرى.

2- التقييم من أجل التعلّم Assessment for Learning: هو أحد التقييمات الجيدة وأكثر مرونة من النمط السابق -تقييم التعلّم-؛ لأنه يعطي بيانات حقيقية يمكن توظيفها لرفع مستويات الطلبة، ويُمكّن المعلم من معرفة آليات التعلّم والكيفية التي تمّت بها، ومدى تمكّن الطلبة من اكتساب المعارف والمفاهيم، وذلك لاندماجه في السياق المنهجي، وهو يدعم التغذية الراجعة والمستمرة للطلبة، ويجعل المتعلّم جزءاً من عملية التقييم، وهذا يجعله خياراً أفضل للعملية التعليمية وللمعلمين الذين يبحثون عن مواقف اختبارية تمكنهم من إصدار أحكام حقيقية على طلابهم.

3-التقييم بوصفه تعلّماً Assessment as Learning: وهذا من وجهة نظري الأفضل لأنّه يدعم مهارات التفكير العليا، ومهارات ما وراء المعرفة، ويستهدف دور الطلبة في التعلّم ويجعلهم محوراً للعملية التعليمية وفي حالة نشاط دائم بالمشاركة والتحليل وربط المعارف القديمة بالجديدة؛ ليتحقّق تعلّم ذو معنى، فطالب ناقد ومستكشف للمعلومات التي تقدّم له، وبذلك يصبح التعلّم تعلّماً ذاتياً حقيقياً؛ قائماً على فهم الطلبة للمفاهيم واستخدام العمليات المعرفية وما بعدها لتعديل فهمهم وقدراتهم.

وهذا النمط يتفق مع النظرية البنائية التي ترى أن المعرفة الجديدة تتطور وتُبنى من خلال مزج المعرفة السابقة باللاحقة، وأنّ المعرفة تتراكم وتُبنى من قِبل المتعلّم نفسه حين يُنظّم معلوماته بطرائقه الخاصة وينتج طرائق جديدة من التفكير والتعلّم، وهذا ما ينبغي أن تستهدفه المجتمعات التي تتّجه نحو التطوّر الحقيقي؛ لبناء مجتمعٍ تعليميّ متوافق مع النظرة الحديثة للتعلّم وبناء المعرفة.