من أرض قاحلة غير ذي زرع إلى أرض بها من كل الثمرات، وعبر هذه الأزمان تهوي إليها الأفئدة من كل فج عميق، باختلاف ألوانها وألسنتها، باختلاف مكاسبها ومستوى معيشتها، باختلاف فئاتها العمرية، تلك هي استجابة دعوة الخليل من رب البريّة.

ما كان لأي نظرية ترويجية لموقع ما مهما كانت جاذبيّته، أن تعمل على استقطاب أعداد هائلة بمختلف مكوناتها في مكان واحد، وقت واحد محدد، في أيام معدودات من كلّ سنة، متعاقبات على مدى فصولها، بزمهرير حرّها ورطوبتها، وبرَواحِ برودة اعتدالها، إلا أن تكون دعوة ربانية تلبّيها الأفئدة.

فالشّعائر بمكة المكرمة والمدينة المنوَّرة تزخر وتكتظ، كل موسم حج، وعلى مدار السنة طيلة موسم العمرة، بهذه التلبية، وليس بحملات مؤسساتية ترويجية دعائية، تُضخُّ لها الأموال، وتُكرَّس لها الجهود، وتُخطّط لها الاستراتيجيات، من أجل رفع نسبة الاستقطاب في صناعة الضيافة، سواء كانت دينية، أو ثقافية أو ترفيهية أو بقية أنواعها.

لقد بلغ عدد الملبّين هذا الموسم في وقت قصير السَّقف المُحدَّد له بواقع مليون، ليغطي 150 ألفاً من الداخل و850 ألفاً من الخارج. وهذا يعني أن عدد الملبّيين يطوف السّقف، وبالتّالي فإن العدد الإجمالي في الواقع، قد يفوق بكثير، أو يقارب، وربما يزيد عن ما سجلته مواسم ما قبل كورونا، وذلك باعتبار قائمتي الأعداد الوافدة من خارج المملكة التي تأجّلت الموسمين الماضيين، حيث لا تزال الجائحة تكتسح العالم بمختلف متغيراتها، علما بأن عدد الحجاج عام 2019 بلغ نحو 2.5 مليون حاج.

إنّ وضع الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن والهيئات المعنية بشؤون الحج في المملكة العربية السعودية، هذا السّقف لموسم العام 2022، الموسم الأول الذي يأتي بعد انحسار الوباء، وشاملاً لعدد الوافدين محلياً ودولياً، في الوقت الذي تتَلهَّف في أنحاء المعمورة، الوجهات السياحية، والمؤسسات والحكومات على التقاط أنفاس تعافي اقتصادياتها، وتدارك الخسائر الناجمة عن كسادها، طيلة جائحة كورونا، هو إجراء يدل على بعد المسؤولية، وجِدّية تحري ضوابط الحفاظ على السلامة للجميع، في الداخل والخارج، كما يعكس بالفعل مدى التّقيد بمعايير التنمية المستدامة، المعلن عنها في رؤية 2030، ليس فقط على مستوى قطاع الضيافة ولكن أيضاً على مستوى القطاعات الأخرى، بما لذلك من أثر مباشر على أهم عنصر في مقومات البنية الاقتصادية لجميع القطاعات، ألا وهو العنصر البشري.