أؤمن كثيراً بهذه الحكمة «كل شخص له توقيته الخاص في حياتك، هناك من يكون توقيته قصيراً جداً ووجوده مرهوناً لفترة معينة في عمرك، وهناك من يكون ضمن عدة مراحل من عمرك ثم ينتهي توقيته وعمره الافتراضي من حياتك، وهناك من يكون للعمر كله!!».

كما أؤمن أكثر أن هناك أشخاصاً قد يعيشون بيننا طويلاً ولا يتركون أي بصمة أو أثر ولا حتى ذكرى بداخل نفسك، الذاكرة لا تحتفظ بهم أبداً، ويختفون ويتلاشون لدرجة أنك إذا ما قابلتهم يوماً قد تجد صعوبة في استحضار أسمائهم وكيف كنت تعرفهم، وقد يمرك إنسان لا يكون ضمن حياتك سوى بضعة أيام أو أشهر لكنه يغيرك بدرجات بعضه قد يكون تغييراً بالكامل، يسوقه القدر إليك ليغير العديد من الأفكار والمفاهيم بداخلك ويترك بداخلك ذكرى لا تنسى ولا تزول! لو تأملنا ذكرى العديد من الأشخاص الذين مروا بنا لوجدنا أن أكثر الذكريات العالقة بنا تأتي بناء على مواقف أو كلمات قيلت لنا من الأشخاص القابعين في ذاكرتنا!

لماذا هناك أشخاص لا ننساهم؟ لأنهم تركوا بداخلنا إما جرحاً أليماً وذكرى حزينة أو بصمة مميزة وفرحاً عظيم! بعض الأشخاص تصدم وأنت تكتشف أن توقيتهم في حياتك أقصر بكثير مما توقعته.. تصدم أكثر وأنت تتلقف خبر رحيلهم المفاجئ وأنت الذي لم تتوقع يوماً أن تكون نهاية وجودهم في الحياة بأكملها بهذه الطريقة غير المتوقعة!

أقول هذه الكلمات بعد أن التقطنا الخبر المفاجئ برحيل الأستاذ والمعلم الفاضل لطفي نصر نائب مدير تحرير صحيفة أخبار الخليج رحمه الله وأسكنه أعلى فسيح جناته الذي لم نعرف عنه إلا كل خير ولم نرَ منه إلا حسن التعامل والطيبة والمودة والتقدير.

طيلة مسيرته الصحفية الحافلة ورغم الفارق الكبير بين تاريخه الصحفي المميز وبين تاريخنا البسيط لم نرَ منه إلا كل الاحترام والتشجيع والترحيب، شخصياً تعاملت معه كثيراً في مجال العلاقات العامة فيما يخص مسألة إرسال الأخبار لنشرها في صحيفة أخبار الخليج ولم أره يوماً «يطنشني» أو لا يرد أو يتجاهل رسائلي أو اتصالاتي عليه، بل كان دائماً ما يعدني بالاهتمام بمتابعة نشر الخبر، في كثير من المحطات الهامة والمصيرية التي مرت على مملكة البحرين، وعندما كنا كشباب متطوع نقوم بتنظيم عدد من الحملات الإلكترونية أو الفعاليات الوطنية ونحرر خبراً لتعميمه على الجرائد كان من ضمن الأشخاص الذين يشجعوننا ويعدنا أن يمنح الخبر مساحة جيدة ويسعى للاهتمام بنشر الخبر، وعندما كان الخبر لا ينشر ونعاود مكالمته أو الاستفسار منه كان يؤكد لنا أنه كان حريصاً على النشر ولربما الخبر تم تأجيله ويعدنا بمتابعة الموضوع، كان لا يجعلنا نغلق الهاتف إلا وقد طيب خاطرنا بكلماته الطيبة.

ذات يوم أرسلت له استبياناً لأحد الباحثين الطلبة من باب التنسيق مع الجرائد حتى يقوم بتقييمه، وعندما اتصلت عليه للتأكد من استلام الاستبيان سألني رحمه الله: لماذا حرصتِ على أن أكون من ضمن الأسماء التي تشارك في الاستبيان؟ فقلت له: من المفترض ألا تسألني فأنت تعرف أن اسمك الذي له باع طويل في مجال الصحافة مكسب لأي باحث!

على مستوى صحافة البحرين عرف رحمه الله بتواضعه وتشجيعه للصحفيين المبتدئين وقربه من المحيط الصحفي، كما له بصمته التي لا تنسى في الصحافة البحرينية الممتدة لأكثر من أربعين عاماً والتي عمل خلالها جاهداً على إيصال قضايا المواطنين، وكان اتجاهه دائماً في الطرح نحو القضايا التي يتداولها مجلسا النواب والشورى.

لعل أغرب ما في قصة رحيله رحمه الله هو آخر مقال كتبته والمعنون بـ»أوجاع الصحافة»، حيث تطرق لما يعانيه الصحفي من أوجاع ومتاعب وإهانات وقلة التقدير وسيل من العقوبات والاتهامات الصعبة إن أخطأ، والصراعات التي يعانيها الصحفي في مسألة كسب ثقة من ينشر لهم، تكلم رحمه الله بلسان كل صحفي في البحرين وكأنه كان يعد خاتمة وداعية ليبقى مقاله خالداً في ذاكرة مهنة المتاعب متداولاً بين زملائه.. كتب لطفي نصر رحمه الله عن أوجاع الصحافة ولم يكن يدري أن الصحافة البحرينية كان وجعها الكبير والمفاجئ فقدانه كأستاذ وكمعلم وكقلم له حضوره المميز فيها!