مهما كتبنا وقلنا عن الشأن العراقي ومستجداته ومهما رصدنا حركة مليونية العراق التي تقام اليوم الجمعة في ساحة التحرير ببغداد وهي المركز الرئيس للثورة ومناطق أخرى منها ذي قار والبصرة وكربلاء والنجف بمشاركة عشر محافظات وعدد كبير من شعب العراق من مختلف المناطق العراقية الذين يتوافدون يوم الجمعة إلى هذه المناطق تحديداً وهي مستمرة بالمناسبة منذ بداية الثورة العراقية بداية أكتوبر الماضي، ستبقى الصورة غير واضحة ولا تنقل الواقع الأليم كما هو تماماً كما يخرج العراقيون المغتربون في عدد من عواصم ودول العالم كلندن وبلجيكا وأمريكا وهولندا وألمانيا وفرنسا للهتاف ضد تدخل النظام الإيراني في العراق وإجرام الميليشيات التابعة له والمطالبة بتلبية حقوق ومطالب الشعب العراقي.

وما يرتكب بحق الشعب العراقي الأعزل من إجرام دموي وتطهير عرقي يستهدف الدم العربي العراقي تحديداً، فهناك العديد من الاختطافات والتعذيب والانتهاكات الحقوقية والإنسانية التي ترتكب إلى جانب عمليات التعذيب في السجون العراقية ويمنع حتى الكتابة عنها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية أو التصريح للمواقع الإخبارية سواء داخل العراق أو خارجها، وتهدد عائلات المعتقلين والمصابين والقتلى في حال تداول قضاياهم بالتصفية والتعذيب، كما يتم حالياً استهداف واختطاف نساء العراق الناشطات والمتطوعات في مجال الخدمة المدنية في ساحة التحرير كقضية صبا المهداوي وماري محمد وهما القضيتان الأبرز، ويتوارد أنه يجري تعذيبهن حالياً، وتم إطلاق سراح صبا بعد تعذيبها بوحشية تامة فقط لأنهن قمن بإسعاف الجرحى والمصابين والتطوع في خدمة المتظاهرين، كما قامت المتطوعة ماري بانتقاد الحكومة العراقية بشأن الإجرام الحاصل للشعب العراقي، وتم تهديدها وتعرضها لمضايقات عدة انتهت باختطافها وجهل عائلتها حتى هذه اللحظة مصيرها، فيما اجتهد الذباب الإلكتروني بادعاء أنها ليست مختطفة وتكذيب هذا الخبر بدعوى أنها موجودة في أربيل، والتشكيك في صحة مواقفها تجاه التطوع لخدمة ثورة العراق، وكل ذلك يأتي بالطبع لأجل كسر عزيمة المرأة العراقية المتطوعة في خدمة مظاهرات العراق وبث الخوف والرعب بينهن، خاصة وأن الميليشيات التي تقوم باختطافهن إيرانية إرهابية ولديها أساليبها الإجرامية الشديدة السوء.

فالنظام العراقي يمارس اليوم في عصر الانفجار المعلوماتي والانتشار التكنولوجي أشد مظاهر الديكتاتورية والاستبداد وقمع الحريات ومصادرة حق التعبير بقطع الإنترنت عن المتظاهرين العراقيين وتهديدهم، لدرجة أن الشعب العراقي بات يدرك أن النظام العراقي ما إن يقوم بقطع الإنترنت فهذا يعني قيام مجزرة دموية جديدة ترتكبها إما الميليشيات الإجرامية الإرهابية التابعة للأحزاب الإسلامية والتابعة لعدة مرجعيات متنافرة فيما بينها أو المليشيات الإرهابية الإجرامية التابعة والمحسوبة على النظام العراقي والممولة منه «لجأ النظام العراقي لهذه اللعبة والتمويه بدفع ميليشيات تقوم بالنيابة عنه بتصفية المعارضين العراقيين حتى لا يتم تحميله رسمياً مسؤولية أي جرائم دموية يقوم بها، ففي حال الرغبة بالاقتصاص من المجرم الحقيقي ترمى المسألة على ميليشيات مجهولة وفي غالب الأحيان تتهم داعش أو النصرة أو القاعدة فيما الحقيقة معروفة عند الشعب العراقي»، أو الميليشيات الإجرامية الإيرانية التي تنتحل صفة رجال الأمن والتي يديرها قادة إيرانيون عراقيون لهم نفوذهم وتدخلاتهم في الجيش وتنظيمات رجال الأمن.

والمسألة معقدة للغاية، وكما يذكر أحد العراقيين: عندما يتم اختطاف أحد العراقيين فسبحان الله الكل يدري من المجرم إلا الحكومة العراقية!! وبالحقيقة قد يحمل هذا جزءاً من الحقيقة، فالحكومة العراقية لا تدري إن كانت ميليشياتها الأمنية الإيرانية المخترقة للأمن العراقي والموجهة من القادة الإيرانيين في طهران «قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني» هي المسؤولة أو الميليشيات الإجرامية الإرهابية التابعة للأحزاب الإسلامية والمرجعيات الإيرانية أو الميليشيات الإرهابية الإجرامية التابعة والمحسوبة على النظام العراقي وجميعها ميليشيات تمثل، «دولة مصغرة»، داخل دولة، فالفوضى الإجرامية في العراق تمثل فعلاً اليوم مقولة العراق دولة عصابات، والأدهى أن الحكومة العراقية عندما يتم تحميلها مسؤولية اختطاف أحد المتظاهرين الناشطين فهي تدرك من المسؤول والمجرم لكنها لا تدري من منهم تحديداً!!

عندما يتم قطع الإنترنت عن العراق فالشعب يدرك أنه على موعد جديد مع مجزرة دموية جديدة سترتكب بعيداً عن أنظار العالم ومنعاً لتوثيقها بالتصوير والنقل المباشر وتغطيتها، كما يتم كسر وإتلاف أجهزة الهاتف التي تقوم بالتصوير واعتقال صاحبها، كما أن ما قامت به السلطات العراقية من تهديد الإعلاميين والصحافيين الذين يغطون المظاهرات العراقية بل وقيامها بإغلاق قناة الحرة والعربية والعربية حدث وراديو سوا إلى جانب حرق مقار عدد منهم ومصادرة أجهزتهم وضرب العاملين فيها واعتقالهم، كل ذلك يأتي في سبيل مصادرة العمل الإعلامي ونقل وقائع الإجرام الذي تقوم به الميليشيات والنظام العراقي بعيداً عن أنظار العالم ومنظمات حقوق الإنسان والطفل والمرأة التي هي بالمناسبة لاتزال صامتة تجاه هذا الانتهاك المتصاعد الوتيرة وتتجاهله فيما بعض الدكاكين الحقوقية لاتزال مهتمة بتصدير بيانات مسيسة لقضايا هامشية تستهدف دول الخليج العربي البحرين والسعودية تحديداً، وبالطبع هي ضد مسائل الحفاظ على الأمن الدولي ونبذ الإرهاب ومكافحة الجماعات الإرهابية الإجرامية في دولنا!

الإعلام الإلكتروني العراقي عموماً هو من يقوم اليوم بنقل وقائع وأحداث ومستجدات الثورة العراقية بعد قيام عدد كبير من الصحفيين العراقيين الذين قاموا بتغطية مظاهرات العراق في بدايتها بمغادرة بغداد أمام قيام السلطات العراقية بضربهم وتعذيبهم والتهديد بتصفيتهم، كما أن عدداً منهم أوقف نشاطه الإعلامي وأغلق حساباته الإلكترونية منعاً للتعامل العنيف معه وخوفاً من قيام إحدى الجهات المعادية له بإلباسه تهماً تتعلق بمسائل النشر والتعبير عن الرأي لم يقم بها. فالعراقيون المتظاهرون اليوم تحولوا إلى مراسلين دون تدريب وبأبسط التقنيات الإلكترونية الموجودة لنقل مقاطع الفيديو والصور على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرها للعالم الخارجي، وهذا هو سر قيام النظام العراقي بقطع خدمات الإنترنت عن العراق مراراً وتكراراً، فيما إعلام النظام العراقي بالمقابل اهتم بإطلاق الذباب الإلكتروني، بالأخص الذباب الإلكتروني الإيراني، الذي يحاول التشكيك في صحة ما ينشر ويقوم بالاجتهاد بنشر أخبار مفبركة على المواقع الإخبارية والإلكترونية التي تحاول تمويه حقيقة التظاهرات العراقية، خاصة لمن يبحث عن مستجداتها على موقع البحث غوغل، كما أن إعلام تنظيم الحمدين في قطر يساند الإعلام العراقي الإيراني بنشر أخبار ملفقة على المواقع الإخبارية الإلكترونية التابعة له، فيما قناة الجزيرة الإيرانية الهوى تتجاهل نقل الصورة الحقيقة لأحداث العراق مراعاة لمصالح النظام القطري وتحالفاته مع النظام الإيراني بالطبع!

إن أي شخص يتابع الثورة العراقية سيصاب بالدهشة حتماً من تجاهل الإعلام الإقليمي والدولي للقضية العراقية وعدم تطرقه للديكتاتورية الحاصلة تجاه شعب يتظاهر بسلمية ودون تسليح أو إجرام القنابل والأسلحة والمتفجرات والحرق والتخريب أو تلقي تمويلات خارجية من جهات معادية للعراق وعروبته وتاريخه أمام الإجرام الذي يتعرض له شعبها الأعزل من ميليشيات إرهابية مدربة وخطيرة، إلى جانب تجاهل عدد كبير من قنوات الإعلام الدولية تغطية الملف العراقي فيما عدا بعض التقارير الإخبارية البسيطة والخجولة التي لا تنقل حقيقة الواقع الأليم وما يتعرض له المتظاهرون العراقيون من إجرام وصل إلى قتلهم بالرصاص الحي وتفجير رأس المتظاهر وفقء عينيه برصاص غاز مسيل الدموع وحرق المتظاهرين بعد اختطافهم وتعذيبهم، وتلك وحشية تتنافى مع مبادئ العدالة وإرساء قواعد السلام ومبادئ الديمقراطية والحريات يتجاهلها العالم للأسف ولا تتماشى مع التوجه العالمي بتعزيز الأمن والسلم الدولي ونبذ الإرهاب والتطرف.