الحرة

على مدى الأشهر الأربعة الماضية، استمرت الاحتجاجات والإضرابات في ميانمار (بورما) على الرغم من مقتل أكثر من 800 شخص واعتقال ما يقرب من 5000 آخرين.

وفي الأول من إبريل، أعلن أعضاء البرلمان المنتخبون من الرابطة الوطنية للديمقراطية (NLD) بزعامة، أونغ سان سو كي، جنبا إلى جنب مع قادة من الأحزاب والمنظمات السياسية الأخرى "حكومة وحدة وطنية" لتحدي سلطة المجلس العسكري الذي تم إنشاؤه مؤخرا.



ارتباك سياسي مزمن

خلال شهري إبريل ومايو ، مع اندلاع القتال بين المجلس العسكري وجيوش الأقليات العرقية، هاجم جيل جديد من المقاتلين المؤيدين للديمقراطية المواقع العسكرية والمكاتب الإدارية في جميع أنحاء البلاد.



يمكن للمجلس العسكري تعزيز حكمه جزئيًا خلال العام المقبل، لكن ذلك لن يؤدي إلى الاستقرار

مجلة "فورين آفيرز" علقت على هذا المشهد بالقول إن ميانمار بلغت "نقطة اللاعودة".

وتابعت المجلة في تقريرها الذي ضمنته عددها الخاص بشهري "يوليو- أغسطس" بالقول إن "جيش ميانمار، بانقلابه على السلطة الشرعية أطلق العنان لطاقة ثورية سيكون من المستحيل احتواؤها".

ووفق المجلة، يمكن للمجلس العسكري تعزيز حكمه جزئيًا خلال العام المقبل، لكن ذلك لن يؤدي إلى الاستقرار، حيث أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الملحة في ميانمار معقدة للغاية "وعمق العداء تجاه الجيش أكبر من أن تديره مؤسسة معزولة عفا عليها الزمن".

وفي الوقت نفسه، لن يتمكن الثوار من توجيه ضربة قاضية في أي وقت قريب للجيش، وفق التقرير ذاته.



توابل الانفجار

انهارت الصناعات التي تعتمد عليها الأسر العادية، مثل السياحة، كما انهارت مصادر الدخل الأخرى، مثل التحويلات من الخارج، والتي بلغ مجموعها 2.4 مليار دولار في عام 2019، نتيجة الدخل الذي فقده العمال المهاجرون في الخارج خلال الوباء العالمي.

هذه العوامل زيادة على القمع العسكري، "أججت ثورة من الصعب التحكم في مجراها"، وفق المجلة، ويضاف لكل ذلك "القمع الذي يمارسه الجيش على المعارضة في الشارع، منذ الانقلاب".

وبينما أغلقت الصين المعابر الحدودية بسبب وباء كورونا، أصيب القطاع المالي بالشلل، خصوصا مع سلسلة الإضرابات، وعدم رغبة أو عدم قدرة البنك المركزي على توفير سيولة إضافية، والانهيار العام في الثقة.

في المقابل، ستستمر عائدات الغاز الطبيعي والتعدين في التدفق إلى خزائن "جنرالات الجيش"، وبالتالي لن يكون للعقوبات الأجنبية المفروضة عليهم كبير.

ويسيطر المجلس العسكري الآن على ميزانية الدولة بأكملها البالغة 25 مليار دولار، بينما يعاني شعب ميانمار بشدة، إذ يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن يقع نصف سكان ميانمار البالغ عددهم 55 مليون نسمة في براثن الفقر خلال الأشهر الستة المقبلة.

ويخشى برنامج الغذاء العالمي من أن 3.5 مليون شخص آخرين سيواجهون الجوع.

هناك نقص شديد في الأدوية والعلاجات المنقذة للحياة، وعلى مدار عام 2021، لن يتلقى 950 ألف طفل اللقاحات التي يحصلون عليها عادةً لأمراض مثل السل وشلل الأطفال.



المشهد العام

تبدو ميانمار دولة "هادئة" لأن الجيش يسيطر على المدن ووادي إيراوادي، لكن هجمات حرب العصابات في المناطق الحضرية وانتشار التمرد يمنع أي توطيد حازم لحكم المجلس العسكري.

وحتى وإن انتهت الإضرابات، سيبقى الملايين من الشعب عاطلون عن العمل، والغالبية العظمى من الناس لا يحصلون على الخدمات الأساسية أو لا يحصلون عليها على الإطلاق.

كما أن بعض الجماعات العرقية المسلحة قادرة على اقتطاع أراض إضافية، بينما تتعرض مجموعات أخرى لهجومات جوية وبرية متكررة.

وفي ولاية راخين، وسع جيش أراكان إدارته الفعلية، بينما في المرتفعات الشرقية، عززت مجموعات الميليشيات القديمة والجديدة روابطها بشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وأصبحت الصناعات الاستخراجية وغير المشروعة جزءًا أكبر من "الفطيرة الاقتصادية" لميانمار.

ومع اشتداد القتال المسلح، يبدو بأن مشهد عدم الاستقرار هذا سيبقى الصورة الرئيسية لهذا البلد الممزق لسنوات أخرى.