استفهامات عديدة تركها إقلاع آخر طائرة عسكرية أمريكية من مطار كابول، تتقاطع عند مستقبل بوابة حيوية تطوقها التهديدات الإرهابية.

انسحبت واشنطن وسيطرت طالبان على مطار لا يزال محيطه محاصرا بروائح الموت المنبعث من جثث ضحايا التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدفه وخلّف عشرات القتلى بينهم جنود أمريكيون.



فإذا كان الفرع الأفغاني من داعش (داعش خراسان) تمكن من الضرب بقوة بمحيط المطار، في ظل وجود قوات أمريكية وفي أوج عمليات الإجلاء، فإن مراقبين لا يستبعدون أن تدك التنظيمات الإرهابية عمقه بعد الانسحاب الذي خلّف ثغرات أمنية هائلة.

فطالبان التي احتفت برحيل آخر طائرة أمريكية ورأت في ذلك "نصرا"، هي نفسها من يشعر بالقلق حيال تأمين المطار وتقديم أول عربون على قدرتها على التصدي للإرهاب وتعزيز الأمن في إحدى أكثر مناطق العالم اضطرابا.

أمن المطار

السؤال الأول الذي يقفز بديهة إلى الأذهان.. من سيتولى أمن المطار؟ هل طالبان الحركة المسلحة التي تقتصر خبرات مسلحيها على القتال في الجبال وخوض الهجمات الخاطفة هي من سيفعل ذلك؟

وفق محللين، الإجابة لا، فهم يعتقدون أن الحركة ستضطر في النهاية للقبول بعرض خارجي أو تقديم عرض لطرف ما، وهذا ما يمكن أن يكون حدث بالفعل، وفق ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غداة الهجوم بمحيط المطار، قائلا إن طالبان قدمت عرضا لأنقرة بتشغيل المطار.

ولم يوضح أردوغان ما إن كان العرض يشمل تشغيل المطار فقط أم تأمينه أيضا، خصوصا أن الحركة ترفض أي وجود أجنبي على أراضي أفغانستان، لكن حتى هذا الموقف قد يتبدل في ضوء المستجدات والتقلبات والهجوم الإرهابي الأخير.

فالأحداث المتواترة أظهرت أن المخاطر تحدق بالمطار بشكل أساسي، أولا باعتباره بوابة حيوية، وثانيا لرمزيته، ما يزيد الضغوط على طالبان، في وقت سبق أن عرضت فيه أنقرة تولي أمن المطار، لكن الحركة رفضت.

بلال كريمي، أحد الناطقين باسم طالبان، أكد في تصريح لوكالة فرانس برس، أن "مقاتلي الحركة وقواتها الخاصة يملكون القدرة اللازمة لإدارة المطار ولسنا في حاجة إلى مساعدة أحد للسيطرة الأمنية والإدارية على مطار كابول".

لكن مايكل كوغلمان، الخبير في شؤون جنوب آسيا بمركز ويلسون للبحوث في واشنطن، يعتقد أن وجودا أمنيا أجنبيا أمر ضروري لضمان عودة شركات الطيران الأجنبية، كخطوة للطمأنة، لأنه لا شركة تجارية أجنبية ستجازف بإرسال ناقلاتها إلى مطار يقف على فوهة بركان، ومن الممكن أن تستهدفه الهجمات في كل لحظة".

الخبير الذي تحدث لـ"فرانس برس"، اعتبر أن التوصل لاتفاق بين طالبان وطرف أجنبي لتولي أمن المطار "ما يزال ممكنا".

الخدمات اللوجستية

بالنسبة لواشنطن، فإن مطار كابول عاد لـ"الأفغان"، وهو الأمر الذي احتفت به طالبان لكن يبدو أن التفاصيل ترهق الحركة في سياق يبدو مختلفا بشكل جذري عن فترة إدارتها للبلاد من 1996 إلى 2001.

وفي الأسابيع الأخيرة، لعب حلف شمال الأطلسي (الناتو) دورا رئيسيا مع تولي موظفيه المدنيين مهمة مراقبة الحركة الجوية والتزويد بالوقود والاتصالات، لكن هذا الأمر لن يتواصل مع إعلان حكومة جديدة وبدء حكم طالبان.

فالإشكال بالنسبة للحركة يكمن حاليا في أنها تريد الاحتفاظ بالجانب الأمني للمطار والتنازل عن إدارة خدماته اللوجستية لطرف آخر، في طرح لم يرق لأنقرة التي كانت من أكثر الجهات رغبة في تأمين المطار.

طالبان ترغب من تركيا بمساعدة تقنية، وأنقرة تريد الأمن أيضا لأسباب عدة، وهو ما تجلى من خلال تصريحات أردوغان حين قال إن بلاده تتفاوض مع طالبان، لكن مع إصرار الحركة على تولي مسؤولية الأمن، بدا وكأنه بدأ يتخلى عن الفكرة من خلال إرجاء الرد على العرض.

وتعد صيانة المطار وإدارته مهمتين معقدتين تتطلبان قدرا كبيرا من الخبرة. وليس مؤكدا ما إذا كانت طالبان تملك تلك الخبرة بعد فرار آلاف الأفغان المتعلمين والكوادر بالأيام الأخيرة.

مطار مفتوح.. مطلب الساعة

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت أن إبقاء المطار مفتوحا له "أهمية وجودية"، معربة عن استعداد برلين لتقديم المساعدة التقنية لتحقيق ذلك الهدف.

بدوره، دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، إلى ضرورة إبقاء مطار كابول مفتوحا، متعهدا بعدم نسيان الأفغان الذين لم يتمكنوا من مغادرة البلاد بعد رحيل آخر القوات الأمريكية.

وقال ستولتنبرغ، في تصريح لوكالة فرانس برس، إنه "من الضروري إبقاء المطار مفتوحا لإتاحة وصول مساعدات إنسانية للشعب الأفغاني وأيضا للتأكد من أنه يمكننا الاستمرار في إجلاء الأشخاص الذين رغبوا في المغادرة لكن لم يتمكنوا من أن يكونوا جزءا من عملية الإجلاء العسكرية".

عيون العالم المتجهة إلى مطار كابول رصدت أيضا الحالة السيئة لبوابة أفغانستان نحو العالم، الشريان الحيوي الذي تضررت معظم بنيته التحتية الأساسية أو دُمّرت، كما نُهبت محتوياته خلال ساعات الاضطراب التي أعقبت سيطرة طالبان على الحكم.

في الأثناء، أكدت طالبان أنها تعتزم إبقاء المطار المدني مفتوحا، لكن غياب ضمانات أمنية فعلية لا يبعث برسائل الطمأنة المرجوة إلى الخارج، ولن يشجع شركات الطيران على القيام برحلات إلى كابول.

صورة ضبابية لم تفلح طالبان في قشع الغيوم عنها، وهي التي تجاهد من أجل إعادة المطار إلى حالته النشطة لتحسين صورتها دوليا ما يمنحها شرعية من حكومات العالم، لكن غياب مطار آمن وموثوق يعقّد مهمتها ويرجئ حصولها على صك الاعتراف الدولي.