بعد كل هذا الاهتمام من قِبل جلالة الملك حفظه الله بموضوع الأمن الغذائي وتأكيده على ضرورة أن تكون البحرين آمنة ومستعدة لأي ظروف طارئة بتوافر السلع الأساسية، وآخرها ما ذكره جلالة الملك المعظم حفظه الله الاثنين 8 يوليو في جلسة مجلس الوزراء، «نؤكد على أهمية تنفيذ الخطط والمشاريع التي ترفع مستوى الأمن الغذائي وتدعم المنتج الوطني وتحافظ على الحياة الفطرية وتنمّي الثروة السمكية»، إلا أنه لايزال هناك العديد من العقبات والتحديات أمام تحقيق هذا الهدف حتى انعكس ذلك على أسعار المواد الغذائية وعلى مخزونها في مملكة البحرين وهذا هو الأهم.

وبالرغم من الجهود التي بُذلت من عدة جهات في محاولة لتجميع الجهات المعنية بهذا الملف وتجميع التشريعات الخاصة به، وتجميع التدابير والقرارات الحكومية الخاصة به، وتجميع كل ما يتعلق بتوافر السلع الغذائية وضبط أسعارها وزيادة القدرة الاستيعابية للتخزين الاحتياطي، إلا أن المشكلة مازالت موجودة وتنعكس على زيادة الأسعار وعلى ضعف المخزون الغذائي.

مؤخراً عملت عدة جهات على هذا الموضوع آخرها، ثم ما قامت به لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس الشورى في نوفمبر من العام الماضي بتقديم مقترح بقانون خاص بتوفير السلع الأساسية «إلى الآن لم يتحقق».

مضافاً إلى ما قامت به شركة ممتلكات من تأسيس شركة «غذاء» مؤخراً في مارس من هذا العام وستضم شركة «غذاء» أصول ممتلكات الحالية والعاملة في القطاع الغذائي، حيث سيعزز وجود جميع تلك الشركات تحت مظلة واحدة من آفاق التعاون والتكامل فيما بينها، كما سيوفر منصة لبناء وتطوير الخبرات البحرينية في هذا المجال. وستعمل شركة «غذاء» كذلك على البحث عن الفرص الاستثمارية الواعدة في المشاريع والتقنيات التي من شأنها تعزيز إنتاج الأغذية وتصنيعها وتوزيعها.

وإن أضفنا كذلك ما تقوم به صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم حفظها الله من مبادرات وجهود حثيثة للاهتمام بأحد قطاعات الأمن الغذائي وهو «الزراعة».

إلا أن المشكلة كما قلنا مازالت موجودة، فالمخزون البحري يتضاءل ولا يتحسّن، لأن المخالفات مازالت مستمرة تقضي على ما تبقى، والمخزون الغذائي من القمح ومنتجاته مازال قليلاً لا يكفي، والإنتاج الزراعي ومعهم تربية المواشي والدواجن ومعهم التصنيع الغذائي كلها جهات تشتكي ولها تحدياتها والأهم أنها جهات مبعثرة لا تظللها مظلة واحدة تجمعها استراتيجياً كقضية واحدة.

خذ على سبيل المثال كيف لهذه البعثرة أن تؤثر على «الأمن الغذائي».حين وضعت العقوبات على من يضر بالبحر لم يؤخذ في الاعتبار على أن الإضرار به «جريمة» في حق أمن الوطن والمواطن وليس مخالفة، وذلك دليل على أن التشريع في جهة وملف الأمن الغذائي في جهة أخرى، والنتيجة الفوضى والجرائم مازالت ترتكب في البحر وتعامل كلها على أنها مجرد مخالفات!

وانظر إلى الاستهتار إلى أين وصل بمهددات الأمن الغذائي، إذ حتى حين تعلن مثلاً بعض الجهات -«كجيبك» مشكورة- عن إطلاق مجموعات كبيرة من بعض أنواع السمك في البحر كالسبيطي من أجل زيادة المخزون الغذائي، يتربص به الصيادون الذين ينتظرون لحظة إطلاقه ويجمعونه بطرق صيد غير مشروعة ثم يبيعونه في الأسواق دون أن يُعطى فرصة للتكاثر!

على صعيد آخر، حين وُضعت الإجراءات والقرارات للتعامل مع شركة مطاحن الدقيق على أنها إحدى الجهات المعنية بتوفير الأمن الغذائي وقُدّم لها دعم حكومي بـ10 ملايين دينار لتثبيت سعر أهم السلع الغذائية وهو الخبز، من جهة أخرى عاملتها الحكومة كشركة تجارية حين أجّرت عليها الأرض لإقامة المصنع الجديد وحين فرضت عليها رسوم الكهرباء كذلك، وحين قرّرت الشركة رفع الأسعار على بعض سلعها المرتبطة بسلسلة غذائية هامة للمواطن تعذّرت الشركة بأن عليها التزامات مالية تجاه الحكومة ممكن أن تؤدي لخسارتها في المستقبل، والأدهى أن وزير الصناعة والتجارة وافق على قرارها!

بل إن ما تُقرّره وزارة الصناعة والتجارة أحياناً بخصوص حماية المنتج المحلي يتعارض مع ما تقوم به البلدية فيما يتعلق بالمواد الغذائية والمنتج المحلي والمستورد منها.

كل سلعة غذائية تقع مسؤوليتها تحت مظلة مختلفة ومنفردة عن الأخرى، فلا توجد جهة مركزية تتحمّل مسؤولية هذا الملف كقضية واحدة أياً كانت الجهة المنفذة.

لا توجد هناك استراتيجية موحّدة خاصة بالأمن الغذائي تعود لها الجهات المختلفة في تحديد سياستها الخاصة بالمواد الغذائية، فما تُقرّره وزارة الصناعة والتجارة يتعارض أحياناً مع ما تُقرّره «ممتلكات»، ما تُقرّره السلطة التشريعية يتعارض أحياناً مع ما يهدف له مجلس حماية البيئة، وما تُقرّره البلدية يتعارض أحياناً مع ما يقوم به القطاع الخاص، وقِسْ على ذلك بقية المؤسسات والجهات ذات العلاقة.

لابدّ من جمع أطراف هذا الملف، ومراجعة كل ما يتعلق به وربطه ببعضه بعضاً من جديد، وتجديد ما يحتاج إلى تجديد وتطوير ما يحتاج إلى تطوير.