يُعد إقليم البحرين القلب النابض للنشاط الصناعي في الخليج العربيّ، ساعده على ذلك موقعه الجغرافي المتميّز وتنوّع تضاريسه وموارده الطبيعية، وعلاقاته الراسخة مع الأقاليم والحضارات المجاورة، إضافةً لما يتميز به الإقليم من وجود ثروة بشرية هائلة من الفنيين والخبراء المهرة إلى جانب توفر المواد الخام اللازمة ممّا أكسب البحرين هوية فريدة جعلتها رائدة في مجال الصناعات ومتميزّة بين مدن الجزيرة وخارجها.
صناعة السفن: كانت من أقدم وأبرز الصناعات التي ازدهرت في إقليم البحرين وارتبطت بحرفة صيد اللؤلؤ وبحركة التجارة، وذلك بفضل الحنكة والبراعة التي اتسم بها أهل المنطقة نتيجة اختلاطهم بشعوب أتقنت الملاحة كالهنود والصينيين. كما كان هناك مرافئ خاصة مثل الخط وهجر وأوال. وقد وردت هذه الصناعة في معلقة طرفة بن العبد حيث قال: «عدولية أو من سفين ابن يامن... يجور بها الملاح طوراً ويهتدي» وقد تنوّعت وتعدّدت أحجامها وأشكلها وصنعت من مختلف المواد مثل القصب والجرد والخشب، كما برع أهل المنطقة بصيانة السفن ومعالجة أعطالها وصناعة الأدوات المرتبطة بها كالمجاديف والأشرعة وأدوات الصيد والغوص وبذلك شكّلت صناعة السفن مصدراً رئيساً للدخل وخلّفت تراثاً ثقافياً واقتصادياً للمنطقة.
صناعة الفخار: امتهن أهل البحرين منذ القدم صناعة الفخار وتميزوا بها وتفنّنوا في تصنيع أدواتهم المنزلية منها، بل برز من بينهم صناع حذاق ومهرة اتسمت منتجاتهم بالتفنن والابتكار والإتقان، حيث تنوّعت مصنوعاتهم الفخارية ومنها التنور والجرار والقلل والأكواب والمباخر والزهريات وغيرها، والتي كانت تغطي احتياجات السكان المحليين. وما زالت هذه الصناعة مستمرة حتى يومنا هذا.
صناعة النسيج: تعدّدت وتنوّعت أشكالها ومسمياتها في إقليم البحرين الذي مثّل قاعدة صلبة لهذه الصناعة، وأصبحت منتجاته مضرب المثل في الجودة والإتقان؛ فقد كانت الثياب والأقمشة المصنعة في مدن ونواحي البحرين معروفة وتباع في أسواق الجزيرة العربية ومشهورة بين أزياء ولباس العرب في مختلف المدن؛ بل كان من بين لباس النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة والمدينة الحلل والثياب والبرود المصنعة من هجر ودارين وسائر نواحي البحرين.
صناعة الأسلحة: اشتهرت البحرين قبل الإسلام بصناعه الأسلحة التي تميّزت بجودتها، منها الدروع الحطمية نسبة إلى حطمة بن حارب ومنها الرماح الخطية التي تنسب إلى الخط، والرماح الردينية التي كانت تنسب لامرأة في هجر كانت تسوّي الرماح، ممّا يؤكّد مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية مع الرجل منذ القدم.
البحرين من عراقة الصناعة إلى آفاق المستقبل:
يُعد الإرث الصناعي للبحرين شهادة على عراقة حضارتها وتاريخها المزدهر، وتسعى مملكة البحرين اليوم من خلال رؤية ٢٠٣٠ لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي رائد في الصناعة والابتكار، من خلال تركيزها على تنمية القطاعات الصناعية الاستراتيجية وتشجيع الاستثمار في الصناعات التحويلية والتقنية، إضافةً لمواصلة جهودها لتطوير هذه الصناعات لتكون جزءاً من التنمية الشاملة والمستدامة في المملكة، وبه تستفيد من تراثها الصناعي الغني في بناء اقتصاد مستدام وتنافسي.
* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربيّ