افتتح «مؤتمر موسكو الحادي عشر للأمن الدولي» الذي تستضيفه وزارة الدفاع الروسية، أعماله يوم الثلاثاء الماضي، في مركز «باتريوت» للمعارض والمؤتمرات في العاصمة الروسية موسكو.

وقد ركّز مؤتمر هذا العام ضمن قائمة أعماله، على التغيرات الأساسية في الوضع العسكري والسياسي العالمي، في إطار بناء وتوطيد نظام عالمي متعدد الأقطاب.

قبيل سويعات من افتتاح موسكو للمؤتمر الأمن الدولي، فتحت القوات الروسية وابلاً من نيران الصواريخ على أرجاء أوكرانيا، سحق عدداً من المدنيين وخلّف دماراً بالبنية التّحتية، ليكون رسالة مكمّلة، مُسبَقاً، للرسالة التي أفصح بها الرئيس بوتين في كلمته خلال المؤتمر.

كانت رسالة أولى سبقت جملة من رسالات الكرملين، وردت عن المؤتمر مبنية على التباين في ما بينها، بدءاً من مسمى المؤتمر المعني بالأمن الدولي والعملية العسكرية ضد أوكرانيا التي تمَّ تنفيذها غداة انطلاقه.

فبينما أوضح الرئيس بوتين في مستهل خطابه، أن الوضع في أوكرانيا مثال على «سياسة صب الزيت على النار» التي يمارسها الغرب، لأنهم يسعون لتأجيج الصراع في أوكرانيا على حدّ قوله، كان هو قد امتثل لتطبيق هذه المقولة مباشرة غـداة انطلاق المؤتمر، وإن كان الجانب الأرجح في تقدير سيد الكرملين من الرسالة التي يريد إيصالها إلى القوى المساندة للهيمنة الأحادية، أنّ مدلول القوة العسكرية ومؤشرات تفوّقها يدحض هذا الرّهان، بل ومن شأنه تغيير هذه المعادلة.

لكن تغيير هذه المعادلة وفق ما أفصح به بوتين، ليس من مركزية السلطة في عالمنا المعاصر إلى مطلق اللاَّمركزية في السلطة، وإنّما إلى مركزية متعددة الأطراف أو «متعدّدة الأقطاب» على حدّ قول رئيس بلاد موطن الدّب القطبي، تماماً إن أردنا تبسيط الفكرة ونلامسها بمثال محسوس، فكأنما نقول الانتقال مثلاً من نظام البيع بالجملة إلى نظام البيع بنصف الجملة، بالنهاية هذا يعني أنه هناك هيمنة وإن كانت مجزّأة، أي أنَّ المعادلة الجديدة للنظام المستقبلي للعالَم، التي صِيغَت على النّحو الذي طرحه مؤتمر موسكو الحادي عشر للأمن الدولي على لسان الرئيس بوتين، لا تخرج ولا تختلف كثيراً عن المعادلة القديمة، وإنما هي تحور عنها يبدو في ظاهره أكثر مرونة، وفي باطنه يحمل أقلّ سيطرة.

وبالتالي فإنّ الأمر، أي «تشكيل المستقبل» وفق «نظام عالمي متعدد الأقطاب» لا يبشّر بالخروج إطلاقاً عن الهيمنة، ولا بتنحّيها عن الشعوب التي رزحت تحت وطئتها لعُقود أو قرون، وهي تمتلك من موارد تُؤمّن لها العيش الكريم، غير أنها تفتقر تِقنيات الاستفادة منها والحفاظ عليها، من الهيمنة والتحدّيات الأمنية، سواء كانت هذه التّحدِّيات على شكل استعمار مباشر، أو استعمار غير مباشر وهو الذي أشار إليه الرئيس الروسي في خطابه خلال المؤتمر بأنّه «الاستعمار الجديد».