تُعدّ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى نقطة تحوّل في تاريخ إقليم البحرين، حيث شكّلت بداية دخول الإسلام إلى هذه المنطقة. سنتناول في هذا المقال الأثر التاريخي لهذه الرسالة، وكيف ساهمت في نشر الإسلام في المنطقة، ودور المنذر بن ساوى؛ الشخصية البارزة في تاريخ المنطقة، والذي اشتهر بدوره في نشر الإسلام في إقليم البحرين وتبنّي الدعوة الجديدة.

رسالة الدعوة: كان لاستلام المنذر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولقائه بالعلاء بن الحضرمي دور حاسم في تحوّله للإسلام حيث اعتنق الإسلام ونظراً لكونه شخصية مؤثرة في إقليم البحرين فقد أسلم بإسلامه الكثير من أهلها، ثم بادر المنذر بكتابة رسالة جوابية للرسول صلى الله عليه وسلم ونصها: «أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود فأحدث في ذلك أمرك».

تحليل الرسالة: جاءت رسالة المنذر لتؤكد على أنّ إسلام أهل البحرين كان نتيجة لبلوغ الدعوة الإسلامية إليهم بشكل مباشر من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم. فكتب المنذر رسالته الجوابية للرسول صلى الله عليه وسلم يعلّمه ويبشّره بإسلام مجموعة من أهل البحرين وإعجابهم بالدين الجديد، حيث إنّ قول «يا رسول الله» لا تصدر إلا عن مسلم مؤمن بالرسالة. ويظهر من الرسالة أنّ هناك تفاوتاً في الاستجابة، فمنهم من أسلم ومنهم من رفض.

هذه الرسالة وسرعة الاستجابة والردّ يعكسان الجهود المبذولة في نشر الإسلام في البحرين في المرحلة المبكّرة من الدعوة وحرص البحرين لأن تكون جزءاً فاعلاً من دولة الإسلام في المدينة النبوية.

المنذر القائد: تميّز المنذر بن ساوى التميمي بصفات القائد الذي يمارس الشورى مع رعيته، حيث يؤكد لنا في رسالة المنذر قوله «قرأت كتابك على أهل البحرين» فعند استلامه الرسالة نشرها وقرأها على رعيته ثم خيّرهم ولم يُكرِه أحداً منهم على الدخول فيه.

وهو دليل على إشراكه رعيته في القرارات المصيرية والمهمّة، وهذا الأمر علاوة على كونه مقبولاً محبوباً إذ كانت له شعبية كبيرة حيث كان لإسلامه دور كبير في دخول جماعات كثيرة من أهل البحرين في الإسلام لثقتهم بقائدهم وإيمانهم به وما يمتع به من صفات قيادية مناسبة. فكان ذلك إضافة لعوامل أخرى ثقافية وحضارية ممّا ساعد على تقبّلهم للدين الجديد.

التنوع الديني: يؤكد لنا ما ورد في رسالة المنذر مدى التنوع الديني الذي كان سائداً في إقليم البحرين قديماً، فقد ذكر المنذر «وبأرضي مجوس ويهود» ممّا يدل على مكانتهم ويؤكد وجودهم؛ فقد عاشت مختلف الأديان والأعراق بسلام وتسامح، وبعد دخول الإسلام حافظ المنذر على هذا التسامح ولم يُكرِه أحداً على اعتناق الإسلام بل سمح لغير المسلمين ممّن آثر البقاء على دينه بممارسة شعائرهم الدينية مقابل دفع الجزية، ولم يُرغموا على ترك الأرض أو الإجبار، بل أوعز المنذر أمرهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليعرف التوجيه المناسب بشأنهم، ممّا يدل على حكمة المنذر وأن التسامح سمة من سمات الإسلام.

التسامح والتعايش: نهجٌ ممتد: إنّ رسالة المنذر الجوابية والتي تضمّنت استفساراً واستيضاحاً له علاقة بإدارة شؤون البحرين ممّا يدلّل على أنّ البحرين ومنذ لحظة إسلام المنذر وأغلب أهلها أصبحت جزءاً من دولة النبي المركزية في المدينة.

كما يؤكّد لنا الجهود الحثيثة التي بذلها المنذر لنشر الإسلام في إقليم البحرين، معبّرة عن حكمة بالغة وتسامح كبير في تعامله مع مختلف الأديان والطوائف.

هذه الصفات القيادية المميّزة للمنذر أصبحت نموذجاً في حكم البحرين، حيث استمر الحكام المتعاقبون على هذا النهج في التسامح والتعايش السلمي، وهو ما تجسّد بشكل بارز في عهود آل خليفة الكرام منذ الفتح الخليفي 1783م ليتوّج في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، فاليوم أصبحت مملكة البحرين رائدة في مجال التسامح والتعايش على المستويين الإقليمي والدولي حيث تبنّت البحرين التسامح والوسطية والتعايش كركيزة أساسية في سياستها الداخلية والخارجية وأطلقت العديد من المبادرات والمراكز المتخصّصة في تعزيز قيم التسامح والحوار بين الأديان والثقافات مثل مركز الملك حمد للتعايش السلمي، كما احتضنت مؤتمرات وملتقيات بارزة تناقش هذه القضايا، لتبرز مملكة البحرين بفعل الدور القيادي لملكنا المعظم كنموذج يُحتذى به للتسامح والتنوع الديني في المنطقة.


* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربيّ