م. صبا العصفور



امرأة قروية وقع زوجها ضحية لعملية نصب وتسببت في سجنه عدّة سنوات، لتجد نفسها فجأة وحيدة أمام معترك الحياة وعليها إعالة أبنائها السبعة في بيئة محافظة ترفض خروج النساء للعمل، لزمت بيتها ورفضت الانتقال إلى منزل أسرتها، كما رفضت الصدقات والمعونات. تحدّت الجميع وحصلت على رخصة قيادة، وكانت أول امرأة تنالها في القرية، واستخدمت شاحنة زوجها العتيقة لتصير دكاناً متنقلاً، تشتري المستلزمات النسائية من المدينة لتبيعها على جاراتها وقريباتها، وما لبث الأمر أن لاقى استحسان الأهالي لسهولة تعامل نسائهن مع امرأة بدل الباعة الرجال.

فتاة أخرى في مقتبل العمر، كبرى إخوتها من أسرة قبليّة مشابهة لسابقتها، لم تكمل تعليمها بسبب العادات والتقاليد، توفي أبوها وتركهم من غير معيل، سعت للحصول على عمل بسبب تنصل الأقارب من أخذ دور المُعيل، لا تملك حرفة أو شهادة لتحصل على وظيفة مناسبة، فكرت وفكرت ثم استثمرت في شغفها بحب العبث بالأسلاك الكهربائية، فلجأت إلى جارهم الكهربائي كي يعلمها أساسيات العمل، وما هي إلا فترة وجيزة حتى تمكنت من العمل كهربائية وسباكّة أيضاً، وهذا أتاح لها المجال لتزدهر «كفرقة طوارئ» في حيّهم لتصليح أعطال المنازل المفاجئة، وخاصة بسبب غياب أرباب الأسر من الرجال في أعمالهم طوال اليوم.

كثيرة هي نماذج النساء المكافحات اللّواتي استطعن تخطّي الصعاب ومواجهة التحدّيات لإعالة أنفسهن وأسرهن، وجميعها قصص نجاح ملهمة، ولكن القليل منهنّ ممن واجهن الأنماط المجتمعية السائدة في بيئتهن مثل رفض تعليم المرأة أو خروجها للعمل أو العمل بمهنة خارج المألوف.

هؤلاء نماذج لنساء كسرن قوالب مجتمعية قد نراها اليوم بسيطة، هنّ نسوة لم يهدفن إلى الظهور المجتمعي أو الانتشار على وسائل التواصل أو إثبات الذات أو أي مسميات تطلقها منظمات حقوق المرأة اليوم، بل أردن تأمين معيشتهن بالرزق الحلال بالتفكير خارج الصندوق، فلجأن إلى سد حاجة مجتمعية أساسية وهي توفير خدمات لنساء لا يمكنهن الاختلاط بالرجال، وبهذا التفكير صنعن أنفاقاً وجسوراً بابتكار وخلق فرص عمل لكثيرات من بعدهن في العديد من المجالات التي كانت حكراً على الرجال.

مبادرات هؤلاء النسوة كانت خطوات ملهمة لأجيال وأجيال، وحقّهن على المجتمع أن يتوّجهن كأيقونات في الريادة، فهن نساء من ذهب في زمن شاع فيه النحاس.