وليد صبري

لم يكن يدور في خلد إيمان المناعي بنت المحرق، أن فترة تدريبها خلال دراستها مرحلة البكالوريوس في جامعة البحرين، سوف تكون نقطة الانطلاق نحو التميز في عالم العقارات، حيث حصلت على لقب أصغر مدير عام عقاري في البحرين بعد سنتين من خوضها مجال العقارات في 2007، لتكون في عام 2015، أول سيدة بحرينية تعتمد خبيراً عقارياً عالمياً، على الرغم من أنها انطلقت بخبرة صفر في العقار ورسبت في أول اختبار عن أسعار وتصنيف الأراضي.

"الوطن" تسبر أغوار "أم الوسمية" في حوار خصّت به الصحيفة، أكدت من خلاله أنها "ترعرعت في البيت العود الكبير بـ"فريج بن هندي" بعيداً عن الطفولة الإلكترونية، حيث كانت تستمتع بـ"قعدة الكبار" منذ الصغر وتنهل خبرة "السوالف" في عطلة الصيف".



كما أنها "تفتخر بأنها تلقت تعليمها من الروضة وحتى الماجستير في مدارس وجامعات الحكومة من رياض الأطفال حتى الماجستير".

مسيرة إيمان المناعي تميزت بالأفراح والأتراح، بعدما مرت "بـ3 تجارب من منصب مرموق إلى عاطلة عن العمل"، لكن الإرادة كانت كلمة السر في تفوقها، خاصة وأن "طموحها يعانق السحاب ببناء أعلى برج يحمل اسمها"، في حين أن "شركة "جي إف إتش" حققت حلمها بالتسويق العالمي للعقارات". وخلال تلك الفترة اكتسبت إيمان المناعي "خبرات كبيرة اكتسبتها من العمل في مجالات مختلفة بجانب العقار"، وتقول عن والدها إنه "المثل الأعلى ورأس الحكمة لخبرات تمتد نحو 35 عاماً من العمل".

إيمان المناعي ترى أن "المال ليس كل شيء، بدليل أنها قبلت براتب أقل بعد انتقالها إلى فونتانا في البداية لإيمانها بقدراتها على اكتساب الأكثر بعد العطاء، كما أنها تؤمن بأن الاستثمار في العقل هو المكسب الحقيقي".. وإلى نص الحوار:

النشأة في فريج "بن هندي"

تسرد إيمان المناعي في حديثها لـ"الوطن"، نشأتها في الفريج والمنطقة، قائلة: "أنا محرقية الأصل، وتربيت وترعرعت في "فريج بن هندي" في المحرق، وقد نهلت من حلاوة المحرق، ليست حلاوة الحلوى فقط، ولكن، أخذت منها حلاوة الأشخاص، وحلاوة الفرجان، وثقافة المدينة، ومثلما يقولون "من يشرب من مياه النيل لا بد أن يعود إليها" كذلك نحن في البحرين نقول "من ينشأ ويتربى في المحرق ويغادرها، لا بد أن يرجع إليها، مرة ثانية"، لذلك، لا بد من الرجوع إلى المحرق، مرة أخرى؛ لأنها جزء أساس من حياته" هذا إن فارقها أصلاً .

وأضافت: "طفولتي ونشأتي هي أساس نجاحي اليوم، وما وصلت إليه من النشأة الطيبة؛ لأن النشأة كانت بين الوالدين، فوالدي قيادي ووالدتي سيدة متدينة، وكان لذلك التأثير الكبير في مسيرتي وحياتي، وبالتالي التربية لها أثر كبير في الاختيار".

وتابعت: "ترعرعت في البيت العود الكبير في "فريج بن هندي"، العريق، في بيت العائلة الكبير، على الطراز القديم، فلدي 5 أعمام، و4 عمات، فكنا ننعم بالترابط ولمة الأسرة الواحدة، وربما افتقدنا ذلك عندما كبرنا واتجه كل منا لحياته في مسكنه الجديد، وبالتالي عندما تسكن في بيت الجد والجدة تأخذ من الموروث وتستلهم من عبق التاريخ والخبرة والحكمة والحنكة؛ لأن الحياة درستهم، لذلك نحن نستقي منهم ما تعلموه، ولعل أبرز ما أخذته عنهم صلة الرحم، والترابط الأسري، وهنا لا بد أن أشير إلى أن فريج "بن هندي" من الفرجان العريقة في المحرق، وخرجت منه عائلات كبيرة ومشهورة وشخصيات مرموقة ومؤثرة في التاريخ البحريني، لذلك مازلت أحن إليه، وإلى البساطة في ذلك الوقت، وإلى الألعاب اليدوية، التي يفتقدها الجيل الحالي، لذلك تلك الحياة البسيطة أثرت كثيراً وإيجاباً في نشأتي وما غرس بداخلي، بعيداً عن الطفولة الإلكترونية".

مدارس المحرق الحكومية

وفيما يتعلق بالنشأة الدراسية، قالت المناعي: "تعلمت في مدارس وجامعات الحكومة من الابتدائي حتى حصولي على البكالوريوس من جامعة البحرين"، منتقدة "فكرة إصرار بعض العائلات على التحاق أبنائهم وبناتهم بالتعليم الخاص من أجل أن يصبحوا نوابغ"، معتبرةً أن "ذلك خطأ كبير".

وقالت إنها "درست في روضة الوفاء في المحرق، ثم انتقلت إلى مدرسة آمنة بنت وهب الابتدائية للبنات في المحرق خلال المرحلة الابتدائية، وبعدها انتقلت بين مدرستين خلال المرحلة الإعدادية، وهما مدرسة زنوبيا الإعدادية للبنات، ثم التحقت بمدرسة عراد الإعدادية للبنات، وفي المرحلة الثانوية كانت دراستي تجارية، حيث درست في مدرسة المحرق الثانوية التجارية للبنات، وكأنه كانت لي نظرة مستقبلية للتجارة والعقارات".

وتابعت: "تخصصت في التجارة بسبب ميولي التجارية وبسبب أن والدي كان خريج تجارة، وقد شعرت أن ميولي ليست علمية، بل على العكس، شعرت أن ميولي تجارية وأدبية، ولا سيما أن والدي كان دائماً ما يشتري لي الكتب منذ أن كان عمري 8 سنوات، فغرس في داخلي شغف القراءة والمعرفة، وكان من ثمرة ذلك أن قمت بتأليف أول إصدار لي، وهو "الحياة والعقارات في 60 يوماً"، باللغتين العربية والإنجليزية، والذي يقدم تجارب ونصائح عقارية وحياتية".

وأضافت: "حصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال والتسويق من جامعة البحرين، وكان تخصصي في تقنية المعلومات الإدارية وما يتعلق ببرمجة الحاسب الآلي، أما الدبلوم فكان في إدارة الأعمال والتسويق".

انطلاقة عالم العقارات

وروت إيمان المناعي كيف ساقتها الأقدار إلى عالم العقارات في عام 2005، عندما "توجهت إلى إحدى شركات العقارات، خلال اجتيازها المرحلة الأخيرة من البكالوريوس، من خلال خوضها فترة التدريب لمدة 6 أشهر، في إحدى الشركات، كي تحصل على شهادة البكالوريوس، ولفت نظرها خلال تلك الفترة ما يتعلق بقانون شقق التمليك الحر، وقانون التملك الحر، وبالتالي لم يكن هناك نظرة مستقبلية لدى الكثيرين حول القانون وما يتعلق به، لذلك حصلت على فرصة التدريب في شركة "أبراج اللؤلؤ"، والتي كانت تبيع شققاً بنظام التمليك الحر، وهناك نحو 13 شريكاً في المشروع، فكان بالنسبة إلي موضوعاً شيقاً كي أقدمه في الجامعة وأكون مختلفة عن الآخرين من خلال المشروع الذي أقدمه".

ومن الطريف الذي تسرده إيمان المناعي أنها "رسبت في أول اختبار لها في مجال العقارات خلال المقابلة الشخصية في شركة "أبراج اللؤلؤ"، حيث سألت عن أسعار الأراضي في المناطق، وتصنيفات الأراضي، فكانت الثقافة العقارية على حد وصفها "صفراً"، لكن ما لفت ممتحنيها في ذلك الوقت شخصيتها واعتبروا أنها الشخصية المناسبة للتسويق العقاري لهم في البحرين آنذاك".

وقالت إنها "خاضت اختبار التسويق في العقار، وكان سلاحي في هذه الفترة ثقة العملاء والمستثمرين في بنت البلد، إضافة إلى المصداقية والأمانة في الطرح، وكانت النتيجة هي تحقيق نسبة مبيعات عالية في مجال العقار لصالح "أبراج اللؤلؤ"، إلى أن تعرضت لمضايقات من رئيستي الأجنبية التي حولتني إلى سكرتيرة أرد على الهاتف، وقررت منعي من مزاولة مهنتي التي أحببتها وهي التسويق العقاري، إلا أن الشركة تنبهت إلى الانخفاض الملحوظ في نسبة المبيعات في تلك الفترة، وكان على أثر ذلك، أنه تم إنهاء خدماتها، ومن ثم ترقيتي إلى منصب مدير عام في الشركة في عام 2007، لأصبح أصغر مدير عام عقاري في مملكة البحرين، وقد حصلت على دعم كبير من المجلس الأعلى للمرأة في ذلك الوقت، وبدأت النجاحات تتوالى حيث كان مكتبي يطلقون عليه "عيادة الأسنان" نتيجة الإقبال عليه من أجل شراء العقارات، في "أبراج اللؤلؤ" في السيف".

ولأن دوام الحال من المحال، تسرد إيمان المناعي كيف تحول الأمر إلى النقيض مع وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث لم يكن هناك أي إقبال على شراء العقارات، ولذلك، وبالرغم من منصبها كمدير عام وحصولها على راتب كبير وعمولة إلا أنها اتخذت قراراً جريئاً بتقديم استقالتها من منصبها؛ لأنه ببساطة لا يستقيم ذلك الأمر مع شخصية طموحة تسعى إلى العمل والكد والاجتهاد، لكن هذا الأمر قوبل بانتقاد من عائلتها في ذلك الوقت، إلا أنها أصرت على موقفها، وخاصة أنه لم يكن لديها وظيفة بديلة في ذلك الوقت.

ولفتت إلى أنها "تعتبر نفسها نشأت نشأة عصامية، وتعودت ألا أطلب أموالاً من والدي أو من أسرتي، ومن بعد زواجي أيضاً لا أطلب أموالاً من زوجي، لكن ما أكسبه من عملي هو ما أصرفه، وأتذكر أن أول سيارة اشتريتها بعد زواجي كانت مما وفرته من راتبي".

"فوي ديزاين" و"بقشة قفتس"

لم تنل الأزمة المالية العالمية وتبعاتها من طموحات وأحلام إيمان المناعي لأنها ببساطة اتجهت إلى مشروعات أخرى، وكانت الموهبة والذكاء الاجتماعي والدبلوماسية، هي أدواتها في خوض مجالات تجارية جديدة أبرزها الديكور والأثاث، فأسست شركة "فوي ديزاين"، للديكور والتصميم الداخلي، في 9 سبتمبر 2009، واستمرت حتى عام 2013، أسست من خلالها ديكورات أكثر من 40 شقة في "أبراج اللؤلؤ"، وأكثر من 30 شقة في "جزر أمواج"، بالإضافة إلى عمل ديكورات مختلفة لمنازل في البحرين وفي الخبر شرق السعودية، وفي حي الدوحة في المملكة وفي مقهى كبير في العاصمة السعودية الرياض.

وروت تجربتها مع مشروع "بقشة قفتس" قائلة: "في موازاة ذلك، وفي حفل "حنة" بنت خالي، ابتكرت فكرة وضع حلويات شعبية في "البقشة"، ووضعتها في سلة حصير، وتم توزيعها على السيدات الحاضرات للحفل، استناداً إلى ما تقوم به السيدات في القدم، حيث كن يضعن الأشياء الغالية عليهن في "البقشة"، وهي عبارة عن قطعة قماش ويتم ربطها، فجاءت فكرة تأسيس مشروع "بقشة قفتس"، وهو عبارة عن تغليف أي هدايا في المحل بقماش مختلف على حسب نوع المناسبة أو الحفل".

وقالت إنه "في عام 2013، جاءها الاتصال من ملاك شركة "فونتانا" للانضمام إليهم، والمفارقة أنها التحقت بـ"فونتانا" في منصب مدير عام، براتب أقل من "أبراج اللؤلؤ"، وكان لديهم في ذات الوقت مشروع، "فونتانا تاور"، واقترحت عليهم تأسيس مشروع "فونتانا جاردن"، ونجح المشروع، وتوالت المشروعات الناجحة والتي تمثلت في مشروعات "فونتانا سويتس"، و"فونتانا إنفنيتي"، و"أريفا" في أمواج، و"سيف أفنيو". وقد حققت إنجازاً كبيراً تفتخر به بعد اعتمادها أول سيدة بحرينية كخبير عقاري عالمي في 2015.

ثم تقدمت إيمان المناعي باستقالتها من "فونتانا" في ديسمبر 2018، ثم تولت منصب نائب الرئيس للمبيعات والتسويق في مشروع "غولدن غيت"، في بداية 2019، حيث صادفتها تحديات كبيرة في المشروع الأخير، وحاولت التغلب عليها، معتبرة أن "هيئة التنظيم العقاري هي العمود الفقري لنجاح العقاريين".

وتحدثت إيمان المناعي عن النقلة النوعية في حياتها قائلة "بفضل الخبرات التي اكتسبتها خلال مسيرتي العملية، التحقت قبل شهر ونصف تقريباً، بوظيفة مدير إداري، بمجموعة "جي إف إتش العقارية"، وهي الذراع العقارية لمجموعة "جي إف إتش"، وهي التي حققت حلمي بتسويق المدن، وألا أصبح مقتصرة في التسويق العقاري على الشأن المحلي، ولكن كان أملي في التسويق العقاري العالمي؛ لأن المجموعة تمتلك من العقارات والاستثمارات حول العالم ما يزيد عن 12 مليار دولار، ولاسيما أن طموحاتي تجاوزت تلك المشروعات العقارية الناجحة إلى تسويق المدن".

وفي كل عمل عقاري تلتحق به إيمان المناعي لا بد أن يكون لها طريقة خاصة في الإعلان والاحتفال بمبيعات الشركة، فحدثتنا عن "الجرس" الذي ورثته عن جدتها "والدة أمها" رحمها الله، والذي كانت تستعمله خلال فترة إقامتها معهم في بيت العائلة، حيث كان هذا الجرس بمثابة "البركة" أو "الفأل الحسن" في زيادة المبيعات، وكلما أعلن عن صفقة بيع، تسرع إيمان المناعي في ضرب الجرس كعلامة خاصة بها على الاحتفال.

لكن في "جي إف إتش"، اختلف الوضع، حيث صارت تصور "الشيكات" أو بطاقة الـ"ATM" كطريقة للاحتفال بإتمام صفقات البيع وإنجازها.

وتسرد إيمان المناعي أنه "من الأمور الطريفة التي تتذكرها أنها مرت بـ3 تجارب عملية في حياتها كانت تصل فيها إلى منصب مرموق في قطاع العقارات، وفجأة تتحول إلى عاطلة عن العمل".

وقالت إن "من الأمور التي تفخر بها في تاريخ حياتها هو استضافتها أكثر من 8 مرات في قصر الأمير الراحل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الراحل طيب الله ثراه".

القراءة أبرز الهوايات

وعن هواياتها أكدت أن "حبها للعمل والتسويق العقاري هو هوايتها الأولى بشعار "طوبى لمن كانت مهنته هي لذته"، ثم القراءة؛ فهي أبرز الهوايات، وخاصة كتب القيادة"، منوهة إلى أن "جون سي ماكسويل ‏خبير القيادة والمتحدث والمؤلف المشهور والمعروف عالمياً والذي ألف أكثر من 60 كتاباً، وبيع من كتبه أكثر من 13 مليون نسخة، هو مثلها الأعلى؛ لأنه من وجهة نظرها هو إنسان عصامي بدأ حياته من الصفر وقيادي إذا وهو ما تحب".

وتسرد إيمان المناعي أنها "أنفقت أكثر من 400 دينار من أجل مقابلة جون سي ماكسويل، على هامش محاضرات وندوات له في سلطنة عمان"، وكان منطقها في ذلك أن "الاستثمار في العقل هو الربح الأكبر".

وتحدثت عن أحدث إصداراتها، متمثلة في "خواطر محفزة تكتبها على مواقع التواصل الاجتماعي من المرتقب أن تجمعها في كتاب".

وتسرد إيمان المناعي أبرز طموحاتها التي تتمثل في أن "تؤسس برجاً باسمها"، كما أنها "تخطط للتسويق في المدن".

من احترافية حمود سلطان لميسي

وعن الهوايات الأخرى، لم تخفِ إيمان المناعي تعلقها وحبها لفريق المحرق لكرة القدم، واصفة حارس مرمى فريق المحرق السابق حمود سلطان بـ"المبدع"، فيما اعتبرت أن المهاجم المحرقي إسماعيل عبداللطيف الشهير بـ"سمعة" هو الأحرف محلياً، بينما يعد نجم منتخب الأرجنتين ونادي برشلونة الإسباني ليونيل ميسي مهاجمها الأحرف عالمياً.

رسالتي في الحياة

وخلصت إيمان المناعي في حديثها لـ"الوطن" إلى أن "رسالتي هي رضا رب العالمين عني، وأن أكون مصدر فخر واعتزاز لأبي وأمي، وأن أرفع اسم ديرتي عالياً"، مشددةً على أنها "لم تعتمد على "الواسطة" أو المحسوبية في يوم من الأيام"، مؤكدةً أن "والدها محمد أحمد المناعي هو مثلها الأعلى، ورأس الحكمة، فهو صديقها، نظراً إلى ما يتمتع به من حكمة وحنكة، حيث نقل لي خبراته في العمل على مدار 35 عاماً"، مشيرة إلى أنه "بدون بركة الوالدين الإنسان لا يساوي أي شيء".

ووجهت نصيحة إلى الشباب بضرورة احترام مسألة التدرج والوصول إلى القمة باكتساب الخبرات في كافة وشتى المجالات والسعي لتحقيق الطموحات"، منوهة إلى أن "المال ليس كل شيء بل على العكس الخبرات المتراكمة هي ما يجلب المال وليس العكس".