إرم نيوز


يستعد مزارعو سهول "تهامة"بمحافظة الحديدة غربي اليمن، للاحتفاء بختام موسم حصاد النخيل، بمهرجان سنوي يدعى "الخُمس"، عبر فعاليات وأنشطة تقليدية متوارثة منذ عدة قرون، تتحدى جملة التأثيرات التي خلّفتها الحرب وتداعيات التغيّرات المناخية، على القطاع الزراعي في اليمن.

وتشتهر الحديدة وسهولها الخصبة الممتدة على شواطئ البحر الأحمر، بإنتاج أجود أنواع الرطب المحلي أو ما يسمى محليًّا بـ"المناصف"، الذي يأتي كواحد من بين أنواع ثمار النخيل؛ إذ يبلغ إنتاج المحافظة منها أكثر من 19 ألف طن، من إجمالي إنتاج البلد الذي وصل في العام 2021 إلى 66 ألف طن من التمور، وفقًا للإدارة العامة للإحصاء والمعلومات الزراعية.

ومنذ القِدم، يحظى موسم حصاد "المناصف" في تهامة، بخصوصية فريدة، يوفر خلالها الآلاف من فرص العمل للعاطلين، ويخلق أوقاتًا استثنائية للمزارعين والعاملين الذين يتجمّعون للتخييم عدة أيام قرب المزارع التي يعملون فيها وسط أجواء مليئة بالألفة، إلى حين الانتهاء من جني ثمار النخيل، التي تُختتم بإقامة مهرجان مليء بالطقوس التراثية المحلية، يحضره الآلاف من سكان الحديدة والمحافظات المجاورة.

فعاليات عديدة

يقول المزارع عبده الرياعي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إنه رغم تراجع محاصيل ثمار النخيل بأنواعها المختلفة في الحديدة، واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية، فإن مهرجان "المناصف" لا يزال مستمرًا، وتجري استعدادات لإقامته بعد بضعة أسابيع مقبلة بمديرية الدريهمي، في ظل ترقب وانتظار لهذه الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية.

وذكر أن موسم حصاد التمور التي تعدّ فاكهة تقليدية في تهامة، يمتد على مدى 3 أشهر، هي يونيو ويوليو وأغسطس من كل عام، يتم خلالها جني أنواع مختلفة من الثمار، أبرزها "المناصف" الذي تشتهر به الحديدة، والمتعددة أصنافه بين "الحضاري والطبيقي والعجوة".


وأشار الرياعي، إلى حجم التراجع الكبير الذي تشهده الدريهمي، التحيتا وبيت الفقيه، أكبر مديريات زراعة النخيل بمحافظة الحديدة، جراء الحرب وإفرازاتها اللاحقة، التي دفعت مئات المزارعين إلى النزوح من مناطقهم خلال الفترة السابقة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فضلًا عن شح الأمطار وصعوبة توفر مياه الريّ واتساع رقعة الجفاف.

سرّ الصمود

وبحسب وكيل أول محافظة الحديدة، وليد القديمي، فإن موسم جنى النخيل، يمثّل أهمية كبيرة لدى المجتمع التهامي منذ عدة قرون؛ إذ يختتمه المزارعون بمهرجان تقليدي سنوي، يُقام في آخر يوم خميس من موسم الحصاد، "ولهذا جاءت تسميته بمهرجان الخُمس، ويشهد احتفالات شعبية عبر بضع رقصات تراثية تهامية، وألعاب تقليدية، منها سباق الخيول وسباق الهجن والقفز من فوق الجمال، للتعبير عن الابتهاج بهذا الحدث".



وقال القديمي في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هذا التقليد السنوي، يعدّ مناسبة لتوديع المزارعين والعاملين والبائعين الذين انتقلوا إلى مناطق زراعة النخيل، وتوديع أبناء المنطقة الذين رحلوا عنها للسكن في مناطق أخرى، وعادوا إليها خلال موسم الحصاد، قبل مغادرتهم مجددًا.

مشيرًا إلى أن تمسك المجتمع التهامي بهذا المهرجان، رغم ظروف الحرب وتداعياتها البائسة، يأتي نتيجة "لارتباطه بعادات وتقاليد الآباء والأجداد منذ مئات السنين.

تحديات مركّبة

ويواجه مزارعو الحديدة، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، تحدّيات مركبة، فإلى جانب تسبب الحرب التي شهدتها الحديدة في العام 2018 بإتلاف مئات الآلاف من أشجار النخيل، لا تزال بعض المزارع تمتلئ بحقول الألغام التي زرعها الحوثيون، في حين تحوّلت بعض المزارع الواسعة بمديريتي الدريهمي وبيت الفقيه، خلال الفترة الأخيرة، إلى مواقع عسكرية، وهو ما جعلها عرضة للضربات المتكررة التي تشنها المقاتلات الأمريكية البريطانية، ردًّا على هجمات الحوثيين ضد السفن، وفق مصادر محلية.

ومع تزايد حالة الاضطراب التي يشهدها موسم الأمطار وشحّ الموارد المائية، وارتفاع نسب التصحّر في البلد، إثر موجة الآثار المناخية المتعددة، تتضاعف التحديات في وجه القطاع الزراعي الذي يشكّل نحو 17% من إجمالي ناتج اليمن المحلي.

وخلال العام الماضي 2023، "بلغت نسبة التصحّر في اليمن 17.5%، بزيادة تصل إلى 8.63% عمّا وصلت إليه في العام 2015، بسبب ظروف الحرب وارتفاع المدخلات الزراعية"، طبقًا لما ذكره مدير عام الغابات الزراعية ومكافحة التصحّر في وزارة الزراعة والريّ والثروة السمكية، لدى الحكومة اليمنية، المهندس فاروق طالب، في تصريح سابق لـ"إرم نيوز".

ويشير الخبير الزراعي، ممثل الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة، المهندس عبدالقادر السميطي، إلى أن الصعوبات التي تواجه مزارعي النخيل في محافظتي الحديدة وحضرموت، لا تنتهي عند تداعيات الحرب والتغيّر المناخي وحسب.

وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، أيضًا انتشار الآفات الخطيرة، مثل "سوسة النخيل الحمراء، وحشرة دوباس النخيل، تعدّ من أخطر الحشرات التي تؤثر في أشجار النخيل ومحصولها".

مضيفًا أن من بين التحديات الأخرى، انتشار الأشجار الغازية، مثل شجر "المسكيت"، وارتفاع أسعار الفسائل إلى مستويات خيالية، تصل معها قيمة الفسلة الواحدة إلى أكثر من 70 ألف ريال يمني، في ظل غياب الدعم الحكومي، وارتفاع نسب استيراد التمور من الخارج، وهو ما يتسبب بإحباط لدى مزارعي النخيل، الذين باتوا يواجهون صعوبات إضافية في تسويق منتجاتهم.