أيمن شكل


تعتبر تقنية الاستدرار الصناعي للأمطار من الوسائل المستعملة لزيادة كمية الأمطار المتساقطة وذلك عن طريق زرع بعض المواد الكيميائية في السحب القابلة للزرع والتي تتوفر على كمية مهمة من الماء.

هذه المواد الكيميائية تقوم بالرفع من تركيز حبات الثلج في السحب وبالتالي إجبارها على الإمطار بوتيرة أكبر مقارنة مع السحب غير المعالجة.

وقد مكنت هذه التقنية، حسب بعض الدراسات التي أجريت في بعض البلدان، من الزيادة في إنتاجية بعض المزروعات ومن الرفع من حقينة السدود.

وجاءت التساؤلات حول موقف الإسلام من هذه العملية مع العلم أن غايتها نبيلة وهي التخفيف من آثار الجفاف والمساهمة في تحقيق الأمن الغدائي في بعض الأقطار التي تعاني من ندرة المياه، حيث أوضح الشيخ الدكتور محمد فلامرزي أن الشريعة الإسلامية جاءت مشتملة على جلب المصالح وتعزيزها ومراعاتها في الخلق وُجودياً، ودرءُ المفاسد وتقليلها ومراعاتها في الخلق عدمياً.

ومن هذه المصالح ما يكون دينياً ومنها ما يكون دُنيَوياً، ومنها ما يرتبط بالجانب الفكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ومنها ما يكون على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو العالم أجمع، ومنها الضروري أو الحاجي أو التحسيني، وأشار إلى أن طرق إدراك المصالح والمفاسد في الدنيا والآخرة إنما يكون بما ثبت من أدلة الشرع والاستدلال الصحيح، وأما مصالح الدنيا فيقول العزّ بن عبدالسلام رحمه الله: (وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفةٌ بالضرورات والتَّجارب والعادات والظُّنون المعتبرات، فإن خَفِيَ شيءٌ من ذلك طُلِبَ من أدلَّته) «قواعد المصالح، للعزّ بن عبدالسلام، ص30».

وقال: وبناءً على ذلك فإن المصالح الدنيويَّة وإدراك حجمها ومدى تحققها وانتفاع الخَلْق بها إنما يقوم على المعطيات العلمية لحصيلة التَّجارب التي يقوم بها أهل الاختصاص في هذا الشأن، وأن تكون هذه الوسائل بعيدة عن المفاسد في تنفيذها أو في آثارها القريبة والبعيدة على بيئة الإنسان من جهة سلامته في نفسه وصحته ومطعمه ووطنه، فمتى غلب على الظن تحقق المنافع وفقاً لتقرير الخبراء بما لا مفسدة فيه على بيئة الإنسان، أو كانت المفاسد تحت السيطرة وقليلة الخطر في مقابل المصلحة المرجُوَّة فلا بأس، على أن تخضع هذه التجارب على نحو جزئي بعيد عن مجامع الناس للتحقق من آثارها ومدى جدواها، وتُعمَّم بشكل تدريجي للوصول إلى المنافع بأقل درجة من المفاسد إن وُجدت كإجراء وقائي.

ونوه الشيخ فلامرزي بالآية الكريمة من قوله تعالى: «أَوَ لَم يَسِيرُواْ فِي الأَرضَ فَيَنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِن هُم قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ الأَرضَ وَعَمَرُوهَآ أَكثَرَ مِمّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظلِمَهُم وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ» «الروم: 9»، حيث خاطب الله تعالى أهل مكة مذكراً لهم بحال أقوام كانوا على قدر كبير من التَّمكُّن من أسباب الحياة فما نفعهم ذلك مع كُفرهم وإخلالهم بمصالح دينهم على حساب دُنياهم، إذْ كلا المصلحتين مقصودتين، وقال: مثار التساؤل في الآية الكريمة: لِمَ خُوطب أهل مكة ببيان حال أقوامٍ في القوة على أسباب الدنيا والتمثيل لذلك بحراثة الأرض والعناية بها والحال أن مكة وادٍ غير ذي زرع، بل وأهل مكة ليسوا أهل زرع؟

وأضاف: الجواب -والعلم عند الله تعالى- أن في ذلك تنبيه إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الأُمم في تحصيل سُبُل الحياة الآمنة والقائمة على رفع مستوى تحصيل المصالح وتعزيزها على جميع الأصعدة والمستويات، وهذا مُقيد بما لا يُخالف الشرع أو يغلب ضرره على الخَلْق، والله أعلم.