تصدر -الروتي- ساحة الطلب مع بداية أول ليلة يوم دراسي فأفرغت أرفف البرادات والمخابز حيث لم يكن متوقعاً الإقبال الكبير على البرادات والمخابز لطلب «الروتي» فتداولت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الخبر فهب الأفراد للشراء بالكميات حتى أعلن انتهاء الروتي، فكان من المضحك ومن المحزن للبعض وغيره الذي أثار علامات التعجب لانتهاء «الروتي» من على أرفف المخابز والبرادات الكبيرة والصغيرة منها بخلاف الأنواع الأخرى ذات الأسعار العالية والتي لا يقبل عليها الأهالي لتكلفتها ولأنها لا تغطي ميزانية أسرة لديها أكثر من فرد.

لم تقف قصة انتهاء -الروتي- عند حد خلو الأرفف في المخابز والبرادات، وإنما بدأت التساؤلات لمعرفة الأسباب لماذا – خلص «الروتي»؟؟؟» وهل هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر؟ وهل لأول مرة يستوعب الأهالي بأن أبناءهم يحتاجون إلى وجبة فطور بها من الساندويش في يوم ذهابهم إلى المدرسة ليزيد الطلب على شراء الروتي؟ أم هل تغيرت ثقافة الأهالي وأصبح من الضرورة إعداد وجبة أبنائهم منزلياً قبل ذهابهم إلى المدرسة حيث الجانب الصحي في اختيار المفضل صحياً بدلاً من شراء وجبة من المقاصف أو من المطاعم الخارجية حيث لا يعلم الأهالي ما هي مكوناتها؟ أم هل خوفاً من عدم توفر الوجبات الصحية والغذائية في أول يوم دراسي لذا هبّ الأهالي ليلة اليوم الدراسي الأول لتوفير ما هو مطلوب لأبنائهم لوجبة فطور صباحية؟ أم هل هناك قصور في استعداد البرادات والمخابز لتوفير الكمية المطلوبة لبدء السنة الدراسية في ليلة يومها الدراسي الأول حيث لم تستعد لهذا اليوم وكانت الكمية المتوفرة هي الكمية الصيفية أثناء تعطل المدارس، الأمر الذي جاء مفاجئاً لها حينما أقبل عليها الكم من الأفراد لطلب -الروتي-؟ أم لم تكن هناك الميزانية المتوفرة للبرادات للشراء من المخابز، والتي بدورها لم توفر الكمية المطلوبة لنقص ميزانية شراء الطحين من شركة البحرين لمطاحن الدقيق، والتي أفاد فيها قسم المبيعات بأن البيع اليومي للطحين يكون تقريباً من 4000 إلى 5000 كيس في اليوم الواحد حيث حاجة المخبز المشتري التي تقارب ما بين 200 إلى 1000 كيس في الأيام العادية بخلاف ما هو في المناسبات والإجازات أو نهاية الأسبوع أو نهاية الشهر وبدايته، والتي قد يصل فيه البيع إلى ما يقارب عشرة آلاف كيس لليوم الواحد ما يعادل 800 إلى 900 كيس لكل مخبز يمكن أن يغطي حاجته ليوم أو ثلاثة أيام، ومنها يغطي حاجة البرادات؛ ومن ثم طلب الأفراد؟ والبعض قال -خلص الروتي- مع بداية أول ليلة يوم دراسي وذهب في تحليله إلى أبعد من الجانب المحلي وقال ماذا لو كانت هناك أزمة غذائية هل سيغطي الطلب على -الروتي- في حالة وجود أزمة غذائية حيث هو المقبل والأزمة الفعلية في ظل ظروف غير متوقعة، فقد يكون عدم توفر -الروتي- في ليلة دراسية مؤشراً على ما هو قادم لكي يحسب له حساب ودراسة واعتبار فالأمر ليس عابراً، وإنما طارئ ومؤشر لإنذار خطر يحتاج إلى حيطة وحذر ودراسة.

فالعام الدراسي حركة لكثير من المؤسسات الوطنية الحكومية والخاصة، والتي تعد هي عجلة العمل الفعلية، فكل شيء يتحرك من ديمومة حركة العمل الدراسي حيث تظهر الضروريات الواجب العمل لها والاشتغال عليها، فكل شيء وارد والأزمة الغذائية عالمية أولها أزمة القمح فهي قنبلة موقوتة ترافقها عدد من الأزمات والتحديات منها حرب أوكرونيا وروسيا والأزمات الفيروسية كما كانت جائحة كورونا، والأزمة البيئية مثل الجفاف والتصحر والتغيير المناخي وشح المياه الذي له دور كبير في إنتاج الرغيف اليومي حيث يستهلك مئات اللترات من المياه وعند احتساب كمية المياه المستهلكة خلال إنتاج رغيف الخبز الواحد يتم الأخذ في الحسبان المياه المستخدمة في الزراعة والعجن والخبز حتى يصل رغيف الخبز إلى طاولة المستهلك.

وسوق القمح والطحين في البحرين يشهد تحديات متزايدة بسبب نقص الإمدادات وهي ظاهرة تعود لعدة عوامل خارجية وداخلية حيث تعتمد البحرين بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من القمح والطحين؛ مما يجعلها عرضة للتأثر بالتغيرات العالمية في الأسعار والإمدادات، ومنها الأزمات الجيوسياسية حيث تغير سياسات التصدير في بعض الدول المنتجة على تدفق الإمدادات إلى البحرين، إضافة إلى التغيرات المناخية والتي أثرت سلباً على المحاصيل وخفض الكميات المتاحة للتصدير، والتضخم العالمي والذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن والوقود ومنها إلى زيادة كلفة استيراد القمح والطحين مما أثر على الأسعار المحلية، وأدى إلى بعض النقص في الأسواق، والذي بدوره شكل ضغطاً على المخابز والمطاعم والمستهلكين على حد سواء لذا حاولت الدولة التدخل من خلال دعم الأسعار وضمان توافر المنتجات الأساسية في السوق.

لذا كانت جهود الدولة جبارة في أن تخلص إلى ضرورة التنوع في مصادر الاستيراد ليقل الاعتماد على عدد محدود من المصادر، وتشجيع الاستثمار في التخزين للقمح والطحين داخل البحرين لضمان توفر احتياطات كافية تمكن من التعامل مع أي نقص مؤقت، والتحول نحو الزراعة المحلية، وتحدي الظروف المناخية والجغرافية، وذلك بالنظر في تقنيات الزراعة العمودية أو المائية لزراعة كميات محدودة من القمح محلياً لتغطية جزء من الاحتياجات؛ وهكذا نحافظ على توفير -«الروتي»- لكامل أيام العام الدراسي لأبنائنا الطلبة.. فليطمئن الجميع.

* إعلامية وباحثة أكاديمية