أميرة صليبيخ



لطالما اعتقدت أن الممثلين مجرد أدوات لتجسيد النص السينمائي وتنفيذ ما يُطلب منهم من قبل المخرج. وتبدو لي الحوارات معهم تافهة لا تحمل أية قيمة؛ مجرد أحاديث حول الأدوار التي يؤدونها وأعمالهم القادمة والتعاون مع شركات الإنتاج، ونادراً ما يحملون رسالة إنسانية يريدون إيصالها. فما يهم هو الإيرادات التي سيحققونها مع كل فيلم.

حتى ظهرت لي بالصدفة مقابلة تلفزيونية عبر الإنستغرام مع الممثل العالمي «مارلون براندو» أو كما يسمى «عراب هوليوود» وكان سؤال المذيعة له حول شعوره كأعظم ممثل في التاريخ. وكان رده عميقاً فلسفياً مبهراً. قال بأن العالم أصبح مهووساً بفكرة تصنيف الناس إلى فئتين لا ثالث لهما؛ إما أن تكون الأفضل في مجالك أو الأسوأ.. إما أن تفوز أو تخسر! وكنت أفكر ماذا عن المتواجدين في المنتصف؟ العاديون جداً مع مرتبة الشرف؟

وقد أجاب براندو على تساؤلاتي. قال بأن لكل شخص قيمته وما يميزه عن الآخرين. وليس من الإنصاف تجاهل هذه الحقيقة. وهل يعقل أن تكون نكرة لا قيمة لما تقدمه فقط لأنك ليس الأول أو الأفضل؟

إن عقيدة أو «عقدة» التفوق والأفضلية على الآخرين تخلق نوعاً من التنافسية المزعجة التي تحُول الإنسان إلى حيوان شرس من طريقه للوصول إلى هدفه.

وكم من حربٍ خضنا غمارها أو وجدنا أنفسنا محشورين فيها فقد لإثبات أننا الأفضل والأكفأ والأحق. إن التنافس الحقيقي هو سعيك لأن تكون أفضل مما كانت عليه بالأمس، متجاهلاً الآخرين ومبتعداً عن الصراعات العقيمة التي لا طائل منها. لا أقول بأن المنافسة الشريفة يجب أن تتوقف، بل أقول يجب ألا يكون تركيزك على النتيجة النهائية فقط، متجاهلاً الأسلوب والثمن الذي ستدفعه في المقابل.

فحتى تكون الموظف الأمثل، لا يتوجب عليك أن تشوه سمعة الآخرين وتتخطى رقابهم وتحفر ظهورهم بأنيابك. فقط قم بواجبك بطريقة أفضل من السابق. الغاية لا تبرر الوسيلة. فإيذاء الآخرين والطعن فيهم لا يبرر غايتك في الحصول على الترقية أو المنصب أو وغيرها من أهداف واضحة أو مستترة!

علينا الابتعاد عن تصنيف الآخرين ووضعهم تحت أية مسمى، وخير ما تقيسهم به هو مدى الإنسانية والرحمة التي يحملونها في قلوبهم تجاه العالم. الألقاب قابلة للتغيير أما الجوهر الأصيل فلا يمكن تغييره أو التأثير عليه. كن سبّاقاً في سعيك إلى الجنة، وأترك كل الطرق الدنيوية الزائلة فلن تعيش هنا للأبد.